هيبة الرئاسة بسبعين دولار: الكميّة محدودة

نجحت الحملة التي نفذّها الناشطون المدنيّون والمدافعون عن الحريات العامة في لبنان، إلى جانب الضغط الإعلامي والاتصالات التي أجرتها بعض الجهات السياسية، في الضغط على السلطات اللبنانية لإخلاء سبيل الشبان المعتقلين بجرم قدح وذمّ رئيس الجمهورية على الفايسبوك.

تم إخلاء سبيل الشبان بعد أقل من أسبوع على اعتقالهم مقابل كفالة مالية قدرها نحو 70 دولار أميركي عن كل موقوف. الملفت في القرار أن قرار القاضي بالإفراج عنهم خالف رأي النيابة العامة، ما يدلّ على نجاح الحملة المدنية في تغيير مجرى الأمور، وهنالك أيضاً حديث عن تدخّل رئيس الجمهورية شخصياً بعد ادراك الكلفة الإعلامية التي تكبّدها بسبب تصرّفه القمعي.

إن هذا الانتصار، مهما كان صغيراً، يبرهن على أن الأصوات الحرّة تخيفهم بالفعل، وأن الممارسات القمعية التي كان يمكن أن تمرّ مرور الكرام قبل سنوات باتت اليوم لم تعد اليوم مقبولة.

رغم ذلك، هذا الانتصار لا يجب أن يخدع الناشطين بسهولة المعارك مع النظام اللبناني. الحملة الاعتراضية التي قادها الناشطون والمدوّنون نالت تغطية إعلامية جيدة وكانت فعّالة، لكن إطلاق سراح الشبّان لم يكن ليكون ممكناً لولا الاتصالات السياسية التي أجرتها أكثر من جهة بهدف اكتساب أصوات انتخابية في المنطقة في المعركة النيابية المقبلة. إطلاق سراحهم كان مناورة سياسية بين أطراف السلطة ولم يكن بسبب قناعة لدى أيّ منها بوجوب الدفاع عن الحريات.

نأمل أن تكون هذه الأحداث بما تحمله من مؤشرات للمستقبل، باباً لتجذير النشطاء المدنيين في الدفاع عن حقوقهم وعن الحريات العامة، حتى نصل إلى اليوم الذي لا يكون الدفاع عن الحرية فيه مجرّد ردّة فعل، بل عمل منظّم وواعي وهادف. نأمل أن يأتي اليوم الذي تٌسقط فيه كل محاولات تحويل لبنان إلى سجن واسع، لا فقط على الصفحات الالكترونية والمدوّنات بل أيضاً في الشوارع والمدارس والمنازل وصناديق الاقتراع.

لعلّ أوّل وأهم خطوة في هذا الاتجاه Read More

الديناصورات على أشكالها تقع: كي لا يصبح لبنان سجناً عربياً جديداً

مرة أخرى، تطلّ الديناصورات اللبنانية برأسها من قصور الحكم لتذكّرنا بواقع أن الحرية في لبنان هي فقط لمن يحمل في يده السلطة والمال ومفاتيح السماء، أما المواطنين المغلوب على أمرهم الذين لا سند لهم في دواوين السلطان سوى أصواتهم، فمصيرهم السجون وأقبية المخابرات إن تجرؤوا على قول الحقّ وانتقاد الوالي.

مرة أخرى يبرهن السياسيون اللبنانيون نجاحهم في تعلّم أساليب القمع وانتهاك الحقوق من نظرائهم في العالم العربي، وبذلك يكونوا قد نجحوا في تطعيم نظام ديكتاتورية الطوائف برائحة العفن وأصوات السياط وأنياب المخابرات المغروزة في أجساد الفقراء. ربّما لم يتعلّموا الدرس الأساسي بعد: الديناصورات على أشكالها تقع وتنقرض وتُهدَمُ تماثيلها احتفالاً وانتقاماً. تذكّروا ذلك جيداً.

في تفاصيل التصرّف الديناصوري الجديد، قامت الأجهزة الأمنية اللبنانية خلال الأشهر الماضية باعتقال واستدعاء ستّ شبّان بسبب مقالات الكترونية أو تعليقات لهم حول رئيس الجمهورية.

من الملصقات الاحتجاجية على تصرف الأجهزة الأمنية – المصدر: مدوّنة trella.org

يأتي ذلك في ظلّ جوّ عام من التضييق على الحرّيات في لبنان وقيام السلطة باقتراح تعديل قانوني الاعلام وتنظيم الانترنت للنيل مباشرة من حريّة التعبير وإعادة عقوبة الحبس للصحافيين.

ردّ السلطات السياسية على حملة الاعتقالات يفوق فعل الاعتقال سوءاً، فبالإضافة إلى محاولة رئيس الجمهورية التبرؤ من القضية عبر القول ان القضاء تحرّك تلقائياً (رغم أن الجميع يعلم العكس)، قام أيضاً باستعارة أدبيات القرون الوسطى ليردّ على الانتقادات قائلاً “أنه حريص على تربية الشباب كأنهم أولادي” مدافعاً عن اعتقالهم كون ما قالوه بحقه “يندى له الجبين”.

ما فات رئيس الجمهورية هو أنه رئيس جمهورية دولة بمواطنين ومؤسسات وليس شيخاً لمزرعة عائلية، وأن هؤلاء الشباب هم مواطنون في دولته لا أطفال يعاقبهم بقرص آذانهم أو مجرمين يتعامل معهم بإرسال مخابرات الجيش إلى منازلهم ليلاً.

فات رئيس الجمهورية أيضاً أن ما يندى له الجبين بالفعل هو أن يترك كل مشاكل البلاد والانهيار الجاريي على قدم وساق ويشغل نفسه بمتابعة آخر ما يقال عنه على الفايسبوك. لو كان رئيس الجمهورية هو فعلاً “أكثر الحريصين على الحريات العامة وحرية التعبير والحفاظ على شبابنا”، كما ورد في توضيح مخزي من مكتبه الإعلامي، فيجب عليه إيقاف كل الملاحقات فوراً والتعهّد بعدم المسّ بأي مواطن بسبب رأيه، وعليه تقديم اعتذار علني للشباب وأهاليهم على الألم والقلق اللي سبّبه قراره بملاحقتهم.

من مشاهد قمع المظاهرات في وقت سابق هذا العام في بيروت

بالإضافة إلى ذلك، إن التوقيف والاستدعاء هو غير قانوني، أولاً لأنه غير مستند على طلب من المحكمة وليس له أي سند قانوني على الإطلاق، وثانياً لأن قانون الإعلام الحالي لا يشمل النشر في الوسائل الالكترونية، والتعديل الذي ينص على ذلك لم يقرّه مجلس النواب بعد.

في الشقّ القانوني أيضاً، الوسائل الالكترونية خارجة عن الجغرافيا وغير خاضعة قانونياً لسلطة الدولة اللبنانية، ولا هي تستوجب في الأساس ترخيص من وزارة الإعلام أو من الدولة اللبنانية ، لذلك هي غير مرتبطة بها قانونياً ولا تخضع لأحكامها لأن وجودها غير مرتبط بالوزراة وسلطة الدولة في الأصل.

بالتالي إن التبرير الذي قدّمه مدّعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا هو تبرير سياسي وليس قانوني، خاصة أن القاضي لم يحدّد ما هي المادّة القانونية التي أوقف الشباب على أساسها، وخاصة أيضاً في ظلّ وجود اجتهاد سابق للقضاء اللبناني حول عدم شمول الانترنت لوسائل النشر المحدّدة في القانون. وهذا ما يستوجب في أقلّ الأحوال استقالة المدّعي العام من منصبه.. لو كنّا في دولة فعليّة.

أما قيام بعض الناشطين والمتعاطفين مع رئيس الجمهورية بـ”تفهّم” الملاحقات لأن مشاركة شابيّن من المعتقلين تضمّن كلاماً نابياً فهو تبرير ينقض نفسه بنفسه لعدّة أسباب. من ناحية أولى، الفايسبوك ليس ملك مكتب رئيس الجمهورية Read More