من خلق الكون؟ هوكينغ، موسى وبيتاغور في غرفة واحدة
فتح العالم الإنكليزي الشهير ستيفن هوكينغ النقاش مجدداً بين العلم والدين حول وجود الله من عدمه في كتابه الأخير الصادر هذا الشهر بعنوان “التصميم العظيم“.
يقول هوكينغ في كتابه المذكور أن الله لم يخلق الكون وإنما الأخير خلق نفسه بنفسه ويوضح:
“هل كان الكون في حاجة الى خالق؟ الاجابة هي لا! وبعيداً عن كون الامر حادثة لا يمكن تفسيرها إلا بأنها أتت على يد إلهية، فإن ما يعرف باسم الانفجار الكبير لم يكن سوى عواقب حتمية لقوانين الفيزياء”.
ويتابع:
“لأن ثمة قانوناً مثل الجاذبية، صار بمقدور الكون ان يخلق نفسه من عدم. والخلق العفوي هذا هو السبب في أن هناك شيئاً بدلاً من لا شيء، وفي وجود الكون ووجودنا نحن”. ويتابع: “عليه يمكن القول إن الكون لم يكن في حاجة الى إله يشعل فتيلاً ما لخلقه”. (المقتطفات من جريدة النهار، عدد الاثنين 13 أيلول 2010).
وبالنسبة للعلم المعاصر والأديان الابراهيمية لا يوجد للإنسان سوى خياران فيما يتعلّق بالمقدّس: التوحيد Monotheism، والإلحاد Atheism. وبالتالي لا يوجد سوى احتمالين اثنين فيما يتعلّق بخلق الكون: أو أن الله خلق الكون بإرادته، أو أنه هنالك سبب علمي آخر وبالتالي فالله غير موجود.
لكن هل فعلاً تقتصر خيارات العلم والروحانية على هذين الخيارين؟
كلا.
ففي مسألة خلق الكون يتجاهل كلا الفريقان فلسفة “الانبثاق الكوني” التي تقدّم تفسيراً لنشأة الكون يتوافق مع العلم ومع الإيمان بالمقدّس على السواء. وتقول الانبثاقية أن كل الحياة هي سلسلة من الانبثاقات المتتالية التي تعود إلى جوهر مطلق واحد غير قابل للتحديد تختلف أسماؤه بين “الواحد” و”الكلّ” و”اللاشيء” و”المصدر”… لكن لا تعتبر هذه الفلسفة أن “الواحد” هو إله بل تعتبره جوهر موجود في قلب كل الكون، كما أنها لا تعتبر أنه يخلق الكون بشكل منفصل عبر إرادة منفصلة بل إن انبثاق الكون منه هو نتيجة حتمية لطبيعته نفسها (تماماً كما يقول هوكينغ أن الكون هو نتيجة حتمية لقوانين الفيزياء)، كما أن الانبثاقية لا تعتبر أن هذا “الكلّ” هو هدف للعبادة بل هو موضوع ارتقاء إليه ومن هنا يأتي تعبير “التوحّد” مع المقدّس الذي نراه في بعض التقاليد الروحية مثل البوذية والصوفية.
وتحمل طروحات الانبثاقية في طياتها العديد من المفاهيم الفرعية المعقدّة مثل مفهوم تألّه الإنسان الذي سبق وتحدّثنا عنه في مقالات سابقة.
وطُرحت هذه الفلسفة في أديان قديمة مثل الجانية والبوذية والطاوية وبعض الطوائف الهندوسية ومعظم الأديان الوثنية في منطقة البحر المتوّسط. كما طُرحت على يد أهم الفلاسفة في التاريخ مثل أفلاطون، بيتاغور، زينون الرواقي وأفلوطين وحملتها فيما بعد المدرسة النيو-أفلاطونية ومختلف الجماعات الباطنية مثل الغنوصية والصوفية وصولاً إلى بعض الجمعيات الفلسفية والروحية المعاصرة.
لكن صوفيّو الشرق أعطوها ترجمة خاطئة هي “الفيض الإلهي” بعدما “غربلوا” هذه الفلسفة من كل ما يتعارض مع الدين الإسلامي، وكذلك فعلت العديد من الطوائف التي لها جذور نيو-أفلاطونية مثل العلويين والاسماعيليين والدروز.
والانبثاقية مرفوضة حتى الآن من الجميع: من العلم الذي يرفض تفسير أي ظاهرة خارج الظواهر المادية البحت، ومن الأديان التوحيدية التي تعتبرها زندقة وشرك بالله. لكن ماذا لو كان موسى ويسوع ومحمد وهوكينغ وداروين وداوكنز على خطأ، وكان أفلاطون وبيتاغور وزينون على حق؟