الأزمة الأخيرة: المستقبل قد لا يكون كما نتخيّله

 

هل هذا ما ينتظرنا؟

بانتظار استلامنا كتاب “الأزمة الأخيرة” خلال الأسبوع المقبل، وهو مؤلفنا الأول الذي يرى طريقه للنشر الورقي، أحببت ان أشارك مع القرّاء لمحة عن موضوع الكتاب نقلا عن موقعه:

(الكتاب سيتوافر قريباً في المكتبات، ويمكن طلب نسخة ورقية عبر النيل والفرات من هنا أو عبر موقع سوق العرب من هنا)

*

عن الكتاب:

هل تنتظرنا العصور المظلمة عند المنعطف التالي؟

في الوقت الذي تُقرأ فيه هذه السطور يستمرّ العالم غافلاً عن أسوأ أزمة صامتة عرفتها الحضارة المعاصرة، أزمة ماكرة لا يزيد خطورتها سوى أننا قد لا ندرك آثارها وضرورة مواجهتها إلا بعد فوات الأوان. إنها أزمة الطاقة التي يُطلق عليها البعض لقب “الأزمة الأخيرة”. واللقب لا يهدف للإشارة إلى أن الأرض ستتحوّل من بعدها إلى جنّة خالية من المشاكل بل لأن الحضارة التي نعرفها اليوم قد تنتهي على وقعها.
هذه ليست تنبؤات فلكية أو فيلم هوليوودي عن “النهاية” بل هي معالجة دقيقة وشجاعة للمعطيات العلميّة حول الطاقة وخلاصة أبحاث وإحصاءات رسمية ووقائع اقتصادية وجيولوجية معروفة، تتزامن اليوم بشكل غير مسبوق لتخلق أسوأ أزمة عرفها العالم منذ الثورة الصناعية.
رغم الأزمة “التحذيريّة” في العام 2008 التي تضاعف خلالها سعر النفط عشر مرّات خلال أشهر معدودة وما تبع ذلك من انهيار اقتصادي شامل في أنحاء مختلفة من العالم، بقيت هذه الأزمة أبرز غائب على الإطلاق عن الإعلام والنقاش العام. نتيجة ذلك تستمرّ الأعمال كالمعتاد بالنسبة لمعظم سكّان الكوكب الذي تُركوا من دون أي معطيات حول ما يحدث على أرض الواقع، من دون أي دليل حول حقيقة الأزمة وارتباطها بأسوأ انهيار مالي – اقتصادي في عصر العولمة، ومن دون أي معرفة حول تأثيرها المستقبلي على حياتهم أو حول ما يجب عليهم وعلى حكوماتهم فعله لمواجهتها. يبدو أن العالم يمشي نائماً إلى هاوية سحيقة من دون أن يُترك لسكّانه إشارة تحذير على الأقلّ. هذا ما تنوي هذه الدراسة القيام به.

*

على متن هذا الكتاب ستتعرّف على:

• الأزمة الخفيّة للطاقة التي تقف خلف العديد من التحوّلات والأزمات العالمية وأسبابها الحقيقية بعيداً عن إعلام الشركات الدولية وتطمينات الحكومات المحليّة.
• لماذا لا يمكن للنفط أن يستمرّ كمصدر للطاقة لأكثر من عقود معدودة.
• لماذا لا يمكن لأي نوع من أنواع الطاقة البديلة أن يحلّ مكان النفط.
• كيف يؤدّي ذلك إلى الانهيار البطيء للحضارة الصناعية وقلب العالم الذي نعرفه رأساً على عقب بدءاً من انهيار الزراعة الحديثة وأزمة الغذاء مروراً بتداعي أنظمة النقل، البنوك والنظم المعلوماتية، تراجع الطبّ الحديث والتصنيع والتجارة…ألخ.
• كيف سيؤثر ذلك على لبنان وكيف ستبدو الحياة فيه في ظلّ الأزمة.

الأزمة الأخيرة: هل نحن مستعدّون؟

وجود النفط صنع حضارتنا، هل نفاذه ينهيها؟

لماذا العالم الذي نعرفه هو على وشك أن يتغيّر إلى الأبد

“الأزمة الأخيرة” هو عنوان لكتاب من تأليفنا سيصدر قريباً عن “الدار العربية للعلوم – ناشرون” في بيروت، وسيكون متوافر بعدها في جميع المكتبات تقريباً.

والآن، عن أي أزمة نتحدّث؟ ولماذا قد تكون هذه الأزمة الأخيرة لحضارتنا؟ فلنتحقّق أولاً عمّا يقوله الخبراء حول العالم عن هذه الأزمة.

* * *

“جدّي كان يركب على الجمل، وكذلك أبي. أما أنا فأقود مرسيدس، وابني سيقود لاند روفر وكذلك ابنه… لكن ابن الأخير سيركب على جمل”.

.جملة منسوبة لحاكم دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم

* * *

“إنه مشهد كئيب، أكثر من كئيب، وسأقول أنه مرعب، وهذا هو عملنا، أن نحذّر الحكومات. الطلب (على النفط) سيرتفع والسؤال هو اذا ما كان بمقدورنا أن نرفع الانتاج ليلاقي هذا النمو. وفقاً لحساباتنا في الوكالة الدولية للطاقة، وحتى وإن افترضنا أن الطلب على النفط لن ينمو أبداً خلال العقدين المقبلين، لن ينمو على الإطلاق، فنحن نحتاج لكي نعوّض انخفاض انتاج الحقول الحالية إلى زيادة الإنتاج بمقدار 45 مليون برميل في اليوم لكي نبقى بعد عشرون عام من اليوم في نفس المكان الذي نحن فيه اليوم. هذا يعني أننا نحتاج لأن نجد ونطوّر 4 سعوديّات عربية جديدة، وهذا تحدّ هائل. لا يجب أن نتمسّك بالنفط الخام حتى القطرة الأخيرة. يجب أن نترك النفط قبل أن يتركنا هو. يجب أن يتم تأسيس مقاربات جديدة بشكل عاجل. رغم أن البترول لم ينفذّ منا بعد، إن الوقت يداهمنا “.

فاتح بيرول، كبير الاقتصاديين في الوكالة الدولية للطاقة، أيلول 2010 في مقابلة مع الـ BBC.

* * *

“إن النفط السهل، الرخيص الثمن قد انتهى. الذروة النفطية تلوح في الأفق”.

شكري غانم، رئيس الشركة الوطنية الليبية للنفط.

* * *

 

Empty?

“النفط حكم القرن العشرين؛ نقص النفط سيحكم القرن الواحد والعشرين”.

وليم ريس موغ، جريدة التايمز البريطانية 2007.

* * *

“حين تنقطع الكهرباء، سنعود إلى العصور المظلمة… بعد الذروة النفطية ستدخل الحضارة في سنوات طويلة من الانهيار البطيء: نقص في إمدادات الطاقة وانقطاعات في التيار الكهربائي حول العالم، يتبعها الانهيار التدريجي للزراعة النفطية، تدنّي انتاج الأسمدة والغذاء، انهيار في أنظمة النقل ثم في أنظمة البنوك والنظم المعلوماتية، تراجع الطبّ الحديث وتصنيع الدواء، نهاية البلاستيك، انهيارات في أنظمة الدفاع المُمَكنَنة والالكترونية، تأثّر عمليات البناء والتصنيع والتجارة والشحن… العصر الحجري ينتظرنا وراء المنعطف التالي “.

ريتشارد دانكن، مؤلف وباحث حول شؤون الطاقة.

* * *

“التخطيط البعيد الأمد صعب في ظلّ الأزمة السياسية الحالية حيث أن معظم السياسيين مهووسين بعناوين الجرائد في اليوم التالي… لكن مستقبلنا كبلد يعتمد أكثر من أي وقت مضى على قدرتنا على التخطيط استباقاً للصدمة النفطية التالية وعالم ما بعد النفط”.

.فينس كايبل، بريطانيا، 2009

* * *

ماذا سيحلّ بالمجتمع حين تنقطع الكهرباء وتفرغ خزّانات الوقود وتتوقّف الآلات عن العمل؟

“لسنا جيّدين في التعرّف على التهديدات البعيدة عنّا حتى ولو كان احتمال حصولها هو مئة في المئة. المجتمع الذي يتجاهل موضوع الذروة النفطية هو كتجاهل سكّان بومبي للدوّي المستمرّ تحت بركان فيزوفيوس”.

جايمس شليسينغر، المستشار السابق في وزارة الطاقة الأميركية.

* * *

“نفاذ النفط وتغيّر المناخ سيخلقان سياقاً جديداً كلياً للصراعات السياسية. في هذا السياق، لا فقط الحرية، الديمقراطية والمساواة هي على المحكّ بل أيضاً حياة مليارات البشر وأنظمة إيكولوجية بكاملها”.

.ريتشارد هاينبرغ، كتاب غروب الطاقة: الخيارات والمسارات في عالم ما بعد البترول

* * *

“لم ينته العصر الحجري لنقص الحجارة، وكذلك عصر النفط سينتهي قبل أن ينفذ نفط العالم بوقت طويل”.

زكي اليماني، وزير النفط السعودي السابق.

 

In the Memory of Ken Saro wiwa

 

Dance, dance, dance...

كين سارو ويوا (1941-1995) كاتب نيجري، فنان، منتج تلفزيوني وناشط بيئي، اعتقلته السلطات النيجرية عام 1994 بمساندة وتشجيع من شركات النفط العالمية بعدما قاد حملة احتجاجية سلمية لاسترداد حقوق شعب “الأوغوني” في أرضه التي دمّرتها الشركات النفطية، وتم إعدامه مع ثمانية آخرين من قادة حركته في 10 تشرين الثاني عام 1995. (المزيد عنه على الويكيبيديا هنا – بالإنكليزية)

اليوم تصادف الذكرى الـ 15 لإعدام سارو ويوا فيما حبل المشنقة الذي أخذ حياته لا يزال يلتفّ ببطء حول رقاب كل سكّان الكوكب.

كين ساروا ويوا ورفاقه وشعبه: شجاعتكم ستُذكر دوماً وعارهم لن يُنسى أبداً، سنرقص ونرقص ونرقص حتى يسقط كل الطغاة…

* * *

آخر حديث لسارو ويوا قبل اعتقاله (الفيديو أدناه):

“إن رفض حق شعب بتحديد مصيره لمئات السنوات يعني إخضاعه للعبودية،

إن الاستيلاء على موارد شعب ورفض إعطائه أي شيء بالمقابل يعني إخضاعه للعبودية،

إن الإستيلاء على أرض شعب يعتمد على الأرض وحدها من أجل بقائه ورفض إعطائه أي تعويضات يعني إخضاعه لإبادة جماعية،

إني أتهم الأكثرية الإثنية التي تحكم نيجيريا بممارسة إبادة جماعية ضدّ شعب الأوغوني،

إني أتهم شركات النفط بتشجيع الإبادة ضد شعب الأوغوني،

إني أتهم شركتي “شل” و”شيفرون” بممارسة العنصرية ضد شعب الأوغوني لأنهم يفعلون بالأوغوني ما لا يفعلونه في أي مكان في العالم ينقبون فيه عن النفط،

إن الخراب الذي لحق بأرضنا، التدمير الكامل للنظام الإيكولوجي، نزع الإنسانية عن شعب الأوغوني ورفض حقّهم بالحصول على المدارس والمرافق الصحية والمرافق الضرورية الأخرى، كل هذا يقود شعب الأوغوني إلى درب الإنقراض…

إني أتهم الحكومة النيجيرية والشركات النفطية العالمية المتعدّدة الجنسيات في أوغوني بارتكاب الإبادة الجماعية،

إني أناشد المجتمع الدولي والحكومات البريطانية والأميركية واليابانية ودول الإتحاد الأوروبي اللذين يشترون النفط من نيجيريا، لأن يأتوا الآن لمساعدة شعب الأوغوني وإيقاف هذه الإبادة…”.

نفط العراق في طريقه إلى الجيوب الأميركيّة والبريطانيّة

عراقيّون ينتظرون دورهم للحصول على الوقود في ثالث دولة من ناحية احتياطها النفطي (علي يوسف ـــ أ ف ب)

الاحتلال عطّل اعتماد بغداد «الأمثولة الإيرانيّة»… وحضور روسي وصيني خجول

طوني صغبيني
لم تكتمل فرحة عمالقة الصناعة النفطية العالمية. فرغم فتح باب استثمار ثلاثة حقول من أكبر احتياط نفطي في العالم، لا تزال بغداد مترددة في توقيع عقود المشاركة التي تعيد الذهب الأسود العراقي إلى سطوة الكارتيلات الكبرى. يبدو أن خمس سنوات من الاحتلال كانت كافية لتهيئة الأجواء لعودة عمالقة النفط الغربيين، بعد إبعاد قسري دام أكثر من ثلاثة عقود؛ فالحكومة المركزية لم تطق انتظار إقرار قانون النفط العراقي، العالق في أدراج مجلس النواب منذ نحو ثلاث سنوات، كي تشرع في توقيع العقود النفطية العملاقة.
وزير النفط حسين الشهرستاني، أعلن الأسبوع الماضي، فتح مجال توقيع العقود في ستة حقول، تعتبر العمود الفقري لإنتاج النفط العراقي، أمام الشركات الأجنبية. لكن الوضعية القانونية للعقود المزمعة لا تزال غامضة، إذ إن بعض العقود الفنية القصيرة والطويلة الأجل، أبرمت وفقاً لقانون قديم للنفط كان قائماً في ظلّ النظام العراقي السابق. الشهرستاني أكد أن العقود الكبرى الجديدة لن توقّع قبل حزيران العام المقبل، في تلميح إلى أنها ستبرم في ظلّ قانون النفط الجديد. لكن وسط شكوك جديّة في احتمالات إقرار قانون النفط بحلول ذلك التاريخ، أشار مراقبون إلى غموض في كلام الشهرستاني حول كيفية توقيع العقود والموافقة عليها وعلاقتها بمجلس النواب وقانون النفط وحصّة الأقاليم. فهو أكد أن مجلس الوزراء هو من سيوافق أو ينقض العقود، التي لن يُصوَّت عليها في مجلس النوّاب، رغم تسليم نسخة عنها للجنة الطاقة فيه لإبداء رأيها.
وفيما يطرح ذلك تساؤلات عن تغييب الرقابة البرلمانية عن قطاع يمثّل المدخول الرئيسي للبلاد، لم تكن هناك أيضاً أي إشارة لدور «المجلس الاتحادي للنفط والغاز» المزمع تأليفه في ظلّ قانون النفط الجديد، الذي يضمّ ممثّلين عن الحكومة المركزيّة وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة والمستثمرين، في توليفة غريبة لها صلاحية نقض العقود الموقّعة.
أما نوع العقود فيطرح إشكالية أخرى. فمن المعروف وجود أنواع عديدة من العقود النفطية، تبدأ من تلك التي تقتصر على استئجار شركة لتقديم خدمات فنّية محددة، وصولاً للعقد الذي يعطي الشركة حصة من النفط، يحقّ لها التصرف بها بالكامل، وهو العقد المعروف باسم عقد المشاركة.
وعقد المشاركة هو الاتفاق بين الحكومة والشركة، على أن تقوم الأخيرة بتوفير الأموال والمستلزمات الفنية لكامل عملية الإنتاج، بدءاً من الاستكشاف والتنقيب، وصولاً إلى الحفر واستكمال الأبنية وتجهيز الحقل لنقل الإنتاج وبدء الاستخراج، مقابل أن تأخذ الشركة كامل الإنتاج لحين استرجاع المبالغ التي صرفتها، ومن ثمّ يجري تقاسم النفط الباقي بين الدولة والشركة بنسب تتفقان عليها، وتصل أحياناً إلى 60 و90 في المئة لمصلحة الشركة. ويحقّ للشركة بيع نفطها أو التصرف به كما تشاء على أنه ملكها، في مقابل ضريبة تدفعها للدولة على الربح النفطي.
الشهرستاني أيضاً، أكد في إعلانه النفطي المذكور، أن «العقد النموذجي الذي سيعلنه العراق سيكون عرض خدمة لا عقد مشاركة بالإنتاج، لأن العراق صاحب هذه الثروة، وعليه لا نسمح لأحد بمشاركة العراقيين في نفطهم». هذا الموقف، أخّر حتى الآن توقيع عقود طويلة الأمد في الحقول الكبرى، في ظلّ تصميم الشركات على الحصول على عروض المشاركة بالإنتاج.
وإذا وضعنا مسألة نفوذ الاحتلال في وزارة النفط جانباً، فإن إصرار الحكومة على الموقف من العقود، قد لا يكون نابعاً هذه المرّة من مزايدات سياسية اعتادت الكتل العراقية عليها منذ الغزو حتى اليوم. فمن جهة هناك ضغوط معنوية في الصناعة النفطية العراقية، قد لا يمكن الحكومة تجاوزها، ومنها ما هو نابع من الرأي العام العراقي، الذي رغم انقساماته لا يزال معارضاً بشدة لفكرة سيطرة الشركات الأجنبية على ثروته الكبرى. والبعض الآخر نابع من الجسم العريض من الكوادر العراقية العاملة سابقاً في الصناعة النفطية، والتي لا يمكن ترميم الصناعة النفطية العراقية من دون أخذها بالاعتبار، وهي غير ميّالة لوجود الشركات الأجنبية.
من جهة أخرى، فإن الاتجاه لرفض عقود المشاركة، يتعاظم أكثر فأكثر في كلّ البلدان المصدّرة للنفط، التي ترغب في إحكام السيطرة على صناعتها في ظلّ ارتفاع الأسعار الجنوني للذهب الأسود، ومنها السعودية ودول الخليج، حيث يكاد ينقرض تعبير عقود المشاركة من قاموسها الصناعي.
وفي مقابل رفض عقود المشاركة، تبرز دعوات عراقية نقيضة، ترى أن ضمانة التطور النفطي تكمن في الاعتماد بأكبر قدر ممكن على عقود المشاركة، وهي التي عبّر عنها نائب رئيس الوزراء برهم صالح، على اعتبار أن هذه العقود «تضمن زيادة المنافع والإيرادات لأقصى حدّ للشعب العراقي».
وفيما يثير رأي صالح بهجة الشركات الغربية الكبرى، يمثّل رفض عقود المشاركة جزءاً من سياسة أكثر تعارضاً مع مصالح الشركات الغربية والاحتلال من ورائها. والداعون إلى هذه السياسة يريدون خطّة تقوم على الاتكال على شركات النفط في المساعدة التقنية فقط، ثم التخلي عن الشركات ريثما يبلغ الإنتاج نسبة معينة كافية لسدّ الميزانية والاحتياجات العراقية، بعد أن تصبح القدرات الفنية للإنتاج في متناول العراقيين.
يترافق ذلك، مع دعوة للابتعاد عن الشركات الأميركية، وهو ما عبّر عنه الاختصاصي في شؤون النفط، فؤاد قاسم الأمير، لأن اللوبي النفطي في الولايات المتحدة قوي جداً، ومؤثر على قرار واشنطن، ويريد أن تبقى العسكريتاريا الأميركية موجودة دائماً إلى جانبه، وسيسبّب ذلك أزمة مزمنة لبلاد الرافدين لا تنتهي إلا بنضوب النفط.
وتنادي هذه النظرة بتنويع مروحة الشركات المتعاقدة مع بغداد، والاعتماد خاصة على الأوروبية والصينية والروسية، التي تمثّل دولها سوقاً طبيعياً للنفط العراقي، والتي يمكن أن يؤدي انخراطها النفطي دوراً في دعم العراق في مجلس الأمن والمحافل الدولية حيث تمتلك الفيتو والتأثير.
هذا ما يمكن تسميته «الأمثولة الإيرانية»، حيث ساعد الوجود المكثّف للاستثمار الصيني والروسي على تأخير قرارات العقوبات في مجلس الأمن والتقليل من تأثير العقوبات، وهو ما حاول صدّام حسين القيام به أيضاً قبل الغزو.
لكن كلّ الدعوات هذه تفرّغ من مضمونها بسهولة، تحت وطأة نفوذ المستشارين الأميركيين، المتسللين منذ الغزو إلى دهاليز الصناعة النفطية في العراق. فبعد الغزو بفترة قصيرة، كلّفت الإدارة الأميركية مجموعة من المستشارين من وزارة الخارجية والاقتصاد والطاقة والداخلية الأميركية، بالعمل مع وزارة النفط العراقية لتقديم «المشورة».
وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أخيراً عن أن الشركات النفطية الغربية، وبالتحديد البريطانية والأميركية، تملك منذ سنتين مستشارين في وزارة النفط العراقية، لا يتقاضون الأجور من بغداد. ومعظم المستشارين الحكوميين كانوا أيضاً إداريين سابقين في شركات نفطية أميركية، وأحد الأشاص المشهورين في هذا المجال كان المدير السابق لأعمال شركة «شل» في الولايات المتحدة، فيليب كارول، الذي أرسلته وزارة الدفاع الأميركية «بنتاغون» إلى نظيرتها النفطية العراقية.
وبحسب مصادر أميركية عديدة تحدثت لـ«نيويورك تايمز»، فإن المطلوب من كارول كان ضمان إبعاد الشركات التي كانت تملك علاقات جيدة وعقود استثمارية مع صدام حسين عن النفط العراقي، وتأمين وصول الشركات الأميركية إليه. وبالفعل، بعد خمس سنوات من «الاستشارة» الأميركية، رفضت وزارة النفط العراقية الإقرار بحقوق لشركة «لوك أويل» الروسية استناداً إلى عقود سابقة وقّعتها مع صدّام حسين.
وتظهر مقارنة بسيطة بين الشركات الأجنبية المستثمرة في النفط العراقي قبل الغزو وبعده، كيفيّة انقلاب الأدوار في هذا المجال. ففي أيار من عام 2001، أصدرت لجنة «تنمية سياسة الطاقة القومية»، برئاسة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، لائحة من 40 شركة من 30 بلداً تظهر كل الشركات التي حصلت، أو هي في صدد الحصول، على عقود نفطية مع بغداد، ولا تتضمّن أي شركة بريطانية أو أميركية. وخلص وقتها إلى التحذير من أن النقص في إمدادات النفط الأميركية «يهدّد اقتصادنا ومستوانا المعيشي وأمننا القومي».
أما اللائحة الجديدة التي نشرتها وزارة النفط العراقية للشركات الـ40 المؤهلة لغنم صفقات نفطية، فهي مكوّنة بغالبيتها من شركات بريطانية وأميركية كـ«شلّ» و«بريتيش بتروليوم»، وتلك الأوروبية التي رفعت مستوى تعاونها في فرض العقوبات على إيران كشركة «توتال» الفرنسية، في ظلّ حضور صيني وروسي خجول.
وفيما غنمت الشركات الغربية كلّ العقود الفنّية حتى الآن، التي تمثّّل موطئ قدم شديد الأهمية للدخول إلى الصناعة النفطية، لا تزال الشركات الروسية والصينية على لائحة الانتظار.
بعد ذلك كلّه، لا يبدو أن بوادر ما هو آت من عقود، يحمل بشائر خير للنفط العراقي، فالصحراء المضرجة بالذهب الأسود تسيل لعاب عمالقة النفط في العالم، وهي شهيّة لا اعتبارات سياسية أو إنسانية أو أخلاقية لها.


الأخبار عدد السبت ٥ تموز ٢٠٠٨