ليلة الهروب من السيستيم – العيش البسيط وتحقيق الحرية الذاتية في زمن الأزمات

...

*

طوني صغبيني

*

مع انقضاء عام كان مليء بالصعوبات والأزمات والآلام وبداية عام جديد نتمناه جميعاً أن يكون أفضل، هنالك موضوع رئيسي يشغل بال العديدين منا وسيشغلهم بعد طوال حياتهم تقريباً؛ وهذا الموضوع هو شعورنا بالعجز الشخصي تجاه قساوة الأحداث والظروف في زمن أزمات وتقلبات لم يعرف التاريخ مثلها بعد.

هنالك طبعاً بعض الظروف الكبرى التي لا نستطيع تغييرها، منها مثلاً أننا لا يمكننا الحؤول دون السقوط البطيء الذي تعيشه حضارتنا اليوم، لأنه ناتج عن ظروف بيئية وجيولوجية وسياسية واقتصادية تراكمت لمئات السنوات لدرجة الانفجار.

هنالك أيضاً أسباب مختلفة لشعورنا بالعجز هذا، منها أنه لا يوجد اليوم وسائل فعالة تتيح لنا المشاركة في رسم مصيرنا الجماعي في ظل غياب شبه تام للقوى التغييرية الحقيقية. السياسات الاقتصادية يحددها أولئك الذين في السلطة – والذين لا يد لنا في اختيارهم مهما اعتقدنا العكس، والواقع الاجتماعي والفكري تحدده المؤسسات السلطوية الدينية والثقافية وغيرها، وتفاصيل حياتنا تحددها الموضة الاستهلاكية الرائجة التي تفرضها علينا الشركات والمؤسسات التي لا وظيفة لها سوى غسل أدمغتنا لشراء خردتها…

في الحقيقة، إن واقعنا اليومي بأكمله يحدّده أولئك الذين يتسلّحون بالبنادق والمال في وجهنا – نحن الذين لا نملك سوى أنفسنا وأحلامنا كأداة لنتخيّل بهما المستقبل.

رغم كل ذلك، هذا لا يعني أنه لا يمكن إحداث تغيير، ولا يعني أننا عاجزون تماماً؛ فنحن لا نستطيع منع الرأسمالية العالمية من الانهيار لكننا نستطيع رسم تفاصيل الحياة الجديدة التي ستنبثق من أنقاضها، ونحن لا نستطيع الفكاك من عبودية الأجر بشكل مفاجأ، لكننا نستطيع اكتساب استقلالية كافية للقيام بذلك فيما بعد. وقد لا يكون لدينا وسائل للتغيير اليوم، لكننا نستطيع العمل لامتلاكها فيما بعد.

في كلّ ذلك، هنالك تفصيل مهم جداً تهمله معظم الطروحات التي تتحدث عن ضرورة التغيير وعن ضرورة استعادة زمام السيطرة على حياتنا، ألا وهي المساحة الشخصية المتوافرة لنا في ظلّ القبضة الخانقة للمنظومة الاستبدادية التي تحكمنا.

معظمنا اليوم ليس لديهم أدنى سيطرة على حياتهم؛ إن لم نكن نعيش تحت رحمة البندقية، فنحن نعيش تحت رحمة رب العمل واستبداد الشركات، نعيش عبيداً للراتب في نهاية الشهر وللاستهلاك في أوّله، نعيش من دون أن نمتلك وقتنا الخاص ومن دون أن نمتلك مساحتنا الخاصة، ومن دون أن نمتلك حتى تفكيرنا الخاص أحياناً. معظمنا ليس لديهم أي مناعة ذاتية تجاه أي أزمة اقتصادية أو سياسية تعصف ببلدنا أو بحياتنا الشخصية. إن خسرنا وظيفتنا اليوم، نكون في الشارع غداً، ورغم ذلك نتوهم بأننا آمنين طالما أن الأزمات بعيدة نسبياً عنا.

كيف يمكننا أن نفكر بالمستقبل أن لم يكن لدينا زمام السيطرة على حياتنا هنا والآن؟ كيف يمكننا أن نخلق أي مستقبل لنا إن لم يكن لدينا مساحة نفسية وعملية ومالية تتيح لنا العمل على المستقبل الذي نحلم به؟ كيف يمكن أن نكون أحرار وأن نحلم بالحرية إن لم نكن بصدد خلقها هنا والآن في حياتنا؟

هذا ما تتحدّث عنه هذه السلسلة: كيفية بناء مناعتنا الذاتية واستقلاليتنا النفسية والعملية والمالية في ظلّ منظومة تصرّ على استعبادنا. وقبل أن تقفزوا، أعزائي القراء، إلى خلاصات كبيرة، دعوني أخبركم أنه لا يوجد تعويذة سحرية أو سرّ كبير لتحقيق ذلك. الطريقة هي في الواقع بسيطة جداً: العيش البسيط.

نحن مستعبدون اليوم في ظلّ الرأسمالية لا لأنها نظام غير عادل فحسب، لكن لأننا نقبل من دون أن نشعر بكل القيود التي تفرضها علينا، وهذه السلسلة هي حول تحطيم تلك القيود، قيداً تلو الآخر.

لن نطيل الكلام أكثر من ذلك لأن هذا النصّ لا يهدف لأن يكون مقدمة للسلسلة، وسنكتفي هنا بوضع عناوين المقالات المقبلة على أن ننشر مقال جديد منها كل أسبوعين. يمكن العودة إلى هذه الصفحة لقراءة المقالات الجديدة إذ سنضع الروابط على العناوين أدناه. سنكون بانتظار مشاركاتكم وآرائكم بخطة الهروب عبر تجاربكم الخاصة وتعليقاتكم. نراكم مجدداً بعد أسبوعين!

* * *

ليلة الهروب من السيستيم: العيش البسيط وتحقيق الحرية الذاتية في زمن الأزمات

مقدمة: ماذا يعني الهروب من السيستيم؟

الفصل 2: حيّ على الحب والكفاح: فلسفة العيش البسيط في زمن الأزمة

الفصل 3: أنت في مواجهة العالم: ما هي الخطوة الأولى؟

الفصل 4: ماذا يخبرنا راهب قديم عن ذهنية العيش البسيط

الفصل 5: تأسيس الاستقلالية الحياتية عن المنظومة: مهارات لا بد منها

الفصل 6: هل هناك وظيفة مثالية؟ معضلة عبودية الأجر والحياة البسيطة

الفصل 7: تخلّص من مخدراتك: لماذا كلنا مدمنين وكيف نواجه ذلك

الفصل 8:  امرح كأنك في العصر الحجري: أربع نصائح للانتقال من الترفيه الاستهلاكي إلى المتعة الحقيقية

الفصل 9: ترحال كسندباد: نصائح للسفر و نمط العيش البسيط

– الفصل 10: نمط العيش البسيط وحياتنا العاطفية والاجتماعية

الفصل 11:  أعطِ نفسك هدية عدم القلق حول المال: بناء المناعة المالية عبر الحياة البسيطة

الفصل 12: نحو تغيير نظرتنا للمال

الفصل 13: أين ستكون بعد خمس سنوات؟ لماذا تحتاج لخطة مالية وكيف تضعها

الفصل 14: الاستدانة والعبودية: لماذا يجب تجنب الديون (وما هي الاستثناءات)

الفصل 15: نحو الاستقلالية المالية 1: كيف يمكن للاختيار الصحيح لمنزلك أن يساهم في استقلاليتك المالية

الفصل 16: نحو الاستقلالية المالية 2: كيف يمكن للاختيار الصحيح لأسلوب التنقل أن يساهم في استقلاليتك المالية

الفصل 17: نحو الاستقلالية المالية 3: البساطة الغذائية

الفصل 18: .نحو الاستقلالية المالية 4: تبسيط الاستهلاك المنزلي

الفصل 19: نحو الاستقلالية المالية 5: تبسيط الاستهلاك الشخصي

الفصل 20: خاتمة: تبسيط الحياة، تمرّد الآلات

14 comments

  1. hussam1984k · جانفي 1, 2015

    مشكور كتير طوني بس معقول رح ننتظر اسبوعين لكل مقال يا ريت تبسط المدة و تخليها اسبوع

    • Adon · جانفي 2, 2015

      العفو حسام
      هوي كنت بفضل نزل كل أسبوع بس تحضير المقال والبوستات عم ياخد وقت لأن للأسف معظم وقتي رايح للشغل التعيس وعم بسرق وقت الكتابة سرقة

      • غير معروف · جانفي 26, 2015

        اشكرك على هذه المقالات اخي طوني .. بس استغربت عبارتك ( معظم وقتي رايح للشغل التعيس وعم بسرق وقت الكتابه سرقه )) يعني حتى انت واقع في السيستم ومش قادر تخرج منه فكيف بدك منا نحنا اللي لفكره اكيد مش مختمره بعقولنا نخرج من السيستم اللي مخنوقين فيه !!

        • Adon · جانفي 27, 2015

          مين قلك مش قادر اخرج منه يا صديقي؟ وصلت لمرحلة صار تقريباً عندي الخيار أخرج من كل الوظيفة، بس ناطر شوي لتحقيق بعض الأمور قبل الرحيل : )
          طوّل بالك شوي واقرأ بقية المقالات ومن بعدها احكم اذا قادر تخرج أو لأ، بعدنا بالأول : )

  2. حسين رمّال · جانفي 5, 2015

    ما فيني قلّك إلاّ يعطيك الف عافية طوني… يعطيك الف عافية
    هيك ع القليلة بيكون في شي حلو ل بنتي تقرأه تتعيش ع البساطة إذا ما عجبها بيها
    أطيب تحياتي

    • Adon · جانفي 5, 2015

      أحلى أب حسّون، بنتك محظوظة يا صديقي وقريباً رح تكبر شوي شوي وتعرف قديش محظوظة بعائلتها بالحياة.
      ومشتاقين يا رجل، زمان والله

  3. مؤسسة تنظيف · جانفي 6, 2015

    جزاكم الله خيرا”

    شركه تنظيف

    • محمد عليان · جانفي 6, 2015

      أنت ملهم طونى و أطروحاتك مقارابات للواقع ……..أنا أصلا بفتح المدونه كل شوية عشان أتابع كل جديد

      • Adon · جانفي 7, 2015

        العفو محمد، بتمنى تكون مفيدة إلك السلسلة صديقي

  4. التنبيهات: ماذا يعني الهروب من السيستيم؟ | نينار
  5. bashar · جانفي 10, 2015

    الله يعطيك الف عافية صديقي…عم تكتب افكارنا و احداث واقعية منعيشها بس ما منعرف نعبر عنها…انت صوت افكارنا استاذ. بالتوفيق

    • Adon · جانفي 10, 2015

      العفو بشار، بتمنى تكون بقية المقالات مفيدة إلك صديقي
      سلامات

  6. ada · جانفي 15, 2015

    شكراً جزيلاً لكم على هذه التدوينة الرائعة “)

    http://www.bloghayat.com/

    • Adon · جانفي 16, 2015

      شكراً ada

التعليقات مغلقة.